فصل: التفسير الإشاري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وحين طلبوا لأجلهم إسقاط العذاب ضمنًا وصريحًا طلبوا إيصال الثواب إليهم بقولهم {ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم} قال علماء السنة: كل أهل الإيمان موعودون بالجنة وإن كانوا من أهل الكبائر غاية ذلك أنهم يعذبون بالنار مدّة إن لم يكن عفوًا وشفاعة ثم يخرجون إلى الجنة. قال الفراء والزجاج: قوله: {ومن صلح} يجوز أن يكون معطوفًا على الضمير في {وأدخلهم} فيكون دعاء من الملائكة بإدخال هؤلاء الأصناف الجنة تكميلًا لأنس الأولين وتتميمًا لابتهاجهم وإشفاقًا على هؤلاء أيضًا. ويجوز أن يكون عطفًا على الضمير في {وعدتهم} لأنه تعالى قال في سورة الرعد {أولئك لهم عقبى الدار جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم} [الآية: 23] وعلى هذا لا يشمل دعاء الملائكة هؤلاء الأصناف اللهم إلا ضمنًا. قال أهل السنة: المراد بمن صلح أهل الإيمان منهم وإن كانوا ذوي كبائر. ثم ختم الآية بقوله: {إنك أنت العزيز الحكيم} لأنه إن لم يكن غالبًا على الكل لم يصح منه وقوع المطلوب كما يراد، وإن لم يكن حكيمًا أمكن منه وضع الشيء في غير موضعه. ثم قالوا {وقهم السيئات} فقيل: يعني العقوبات أو عذاب السيئات على حذف المضاف. واعترض بأنهم قالوا مرة وقهم عذاب الجحيم فيلزم التكرار. وأجيب بأن الأوّل دعاء للأصول وهذه لفروعهم وهم الأصناف الثلاثة، أو الأول مخصوص بعذاب النار وهذا شامل لعذاب الموقف وعذاب الحساب وعذاب السؤال، أو المراد بالسيئات العقائد الفاسدة والأعمال الضارة، وعلى هذا يكون {يومئذ} في قوله: {ومن تق السيئات يومئذ} إشاة إلى الدنيا.
وقوله: {فقد رحمته} يجوز أن يكون في الدنيا وفي الآخرة. قال في الكشاف: السيئات هي الصغائر والكبائر المتوب عنها، والوقاية منها التكفير أو قبول التوبة. ثم إنه تعالى عاد إلى شرح أحوال الكفرة المجالدين في آياته وأنهم سيعترفون يوم القيامة بما كانوا ينكرونه في الدنيا من البعث، وذلك إذا عاينوا النشأة وتذكروا النشأة الأولى فقال: {إن الذين كفروا ينادون} أي يوم القيامة. وفي الآية حذف وفيها تقديم وتأخير. أما الحذف فالتقدير لمقت الله أنفسكم أكبر من مقتكم أنفسكم، فاستغنى بذكرها مرة. وأما التقديم والتأخير فهو أن قوله: {إذ تدعون} منصوب بالمقت الأول. وفي المقت وجوه: الأول كان الله يمقت أنفسكم الأمارة بالسوء والكفر حين كان الأنبياء يدعونكم إلى الإيمان فتأبون، وذلك أشد من مقتكم أنفسكم اليوم في النار إذ أوقعتكم فيها باتباعكم هواهّن وفيه توبيخ. ولا ريب أن سخط الله وبغضه الشديد لا نسبة له إلى سخط غيره ولهذا أوردهم النار. الثاني عن الحسن: لما رأوا أعمالهم الخبيثة مقتوا أنفسهم فنودوا بلسان خزنة جهنم لمقت الله وهو قريب من الأول. الثالث قال محمد بن كعب: إذا خطبهم إبليس وهم في النار بقوله: {وما كان لي عليكم من سلطان} إلى قوله: {ولوموا أنفسكم} [إبراهيم: 22] وفي هذه الحالة مقتوا أنفسهم. فلعل المعنى. لمقت الله إياكم الآن أكبر من مقت بعضكم لبعض ومن لعنه إياه. وأما قول الكفرة في الجواب {ربنا أمتنا اثنتين} أي إماتتين اثنتين {وأحييتنا} إحياءتين {اثنتين} فللعلماء في تعيين كل من الاثنتين خلاف. أما في الكشاف فذهب إلى أن الإماتتين إحداهما خلقهم أوّلًا أمواتًا ثم نطفة ثم علقة إلخ كما في الآية الأخرى {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتًا} [البقرة: 28] ونسب هذا القول إلى ابن عباس ووجهه بأنه كقولك للحفار: ضيق فم الركية ووسع أسفلها وليس ثم نقل من كبر إلى صغر أو بالعكس، وإنما أردت الإنشاء على هذه الصفة.
والسبب في صحته أن كلا النعتين جائز على المصنوع الواحد وللصانع أن يختار أحدهما. قلت: ومما يؤيد قوله أنه بدأ بالإماتة وإلا كان الأظهر أن يبدأ بالإحياء. قال: والإماتة الثانية هي التي في الدنيا والإحياءة الأولى هي التي في الدنيا، والثانية هي التي بعد البعث. وأورد على هذا القول أنه يلزم أن لا تكون الإحياءة في القبر والإماتة فيه مذكورتين في القرآن بل تكونان منفيتين مع ورودهما في الحديث. أجاب بعضهم بأن حياة القبر والإماتة ممنوعة لأنه تعالى لم يذكرها، والأحاديث الواردة فيها آحاد، ولأن الذي افترسه السبع لو أعيد حيًا لزم نقصان شيء من السبع وليس بمحسوس، ولأن الذي مات لو تركناه ظاهرًا بحيث يراه كل أحد لم يحس منه حياة وتجويز ذلك مع عدم الرؤية سفسطة وفتح لباب الجهالات.
وزيف هذا الجواب أهل الاعتبار بأن عدم ذكر الشيء لا يدل على عدمه، والأحاديث في ذلك الباب صحيحة مقبولة. وإذا كان الإنسان جوهرًا نورانيًا مشرقًا مدبرًا للبدن في كل طور على حد معلوم كما ورد في الشريعة الحقة زالت سائر الإشكالات، ولا يلزم قياس ما بعد الموت على ما قبله وللشرع في إخفاء هذه الأمور عن نظر المكلفين حكم ظاهرة حققناها لك مرات. وقال بعضهم: في الجواب هذا كلام الكفار فلا يكون حجة. وضعف بأنه لو لم يكن صادقًا لأنكر الله عليهم. وقيل: إن مقصودهم تعديد أوقات البلاء والمحنة وهي أربعة: الموتة الأولى، والحياة في القبر، والموتة الثانية، والحياة في القيامة. فأما الحياة في الدنيا فإنها وقت ترفههم وتنعمهم فلهذا السبب لم يذكروها. وقيل: أهملوا ذكر حياة القبر لقصر مدتها أو لأنهم لم يموتوا بعد ذلك بل يبقون أحياء في الشقاوة حتى اتصل بها حياة القيامة وكانوا من جملة المستثنين في قوله: {فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله} [الزمر: 68] ولا يخفى أن أكثر هذه الأقوال متكلفة ولاسيما الأخير فإن قوله: {الذين كفروا} عام. ولو فرض أنه مخصوص بكفار معهودين فتخصيصهم بالحياة في القبر حتى يكونوا من المستثنين بعيد جدًّا. وقد يدور في الخلد أن هذا النداء يحتمل أن يكون في القبر، وعلى هذا لا يبقى إشكال لأن الإماتة والإحياء التي بعد ذلك تخرج من غير تكلف وثبت سؤال القبر كما جاء في الحديث والله تعالى أعلم بمراده. وقوله: {فهل إلى خروج من سبيل} أي إلى نوع من الخروج والرد من القبر إلى الدنيا خروج سريع أو بطيء من سبيل قط أم اليأس الكلي واقع، وهذا كلام من غلب عليه اليأس والقنوط. وكان الجواب الصريح أن يقال: لا أو نعم إلا أنه سبحانه رمز إلى عدم الخروج بقوله: {ذلكم} أي ذلكم اليأس وأن لا سبيل لكم إلى خروج قط بسبب كفركم في وقت التمكن من التوحيد أو أن التكليف {فالحكم لله العلي الكبير} حيث حكم عليكم بالعذاب السرمدي وكما يناسب عظمته وكبرياءه. قيل: إن تحكيم الحرورية وهو قولهم لا حكم إلا لله مأخوذ من هذه الآية. ثم أراد أن يذكر طرفًا من دلائل وحدانيته وكماله فقال: {هو الذي يريكم آياته} من الريح والسحاب والرعد والبرق {وينزل لكم من السماء} ماء هو سبب الرزق {وما يتذكر إلا من ينيب} أي ما يعتبر إلا الذي أناب إلى الله وأعرض عن الشرك لينفتح عليه أبواب الأنوار والمكاشفات. ثم قال للمنيبين {فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون} قال جار الله: قوله: {رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح} ثلاثة أخبار لقوله هو مترتبة على الأول وهو قوله: {الذي يريكم} أو أخبار مبتدأ محذوف وهي مختلفة تعريفًا وتنكيرًا أوسطها معرفة.
ثم إن الرفيع إما أن يكون بمعنى الرافع أو بمعنى المرتفع، وعلى الأول فإما أن يراد رافع درجات الخلق في العلم والأخلاق الفاضلة كما قال: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} [المجادلة: 11] وكذا في الرزق والأجل بل جعل للملائكة مقامات معينة وللأجسام البسيطة العلوية والسفلية درجات معينة كما يشهد به علم الهيئة، وقد أشرنا إلى ذلك في أثناء هذا الكتاب. أو يراد رافع درجات الأنبياء والأولياء في الجنة. وأما على الثاني فلا ريب أنه سبحانه أشرف الموجودات وأجلها رتبة من جهة استغنائه في وجوده وفي جميع صفات وجوده عن كل ما سواه، وافتقار كل ما سواه إليه في الوجود وفي توابع الوجود.
واعلم أن كمال كبرياء الله لا يصل إليه عقول البشر فالطريق في تعريفه أن يؤيد المعقول بنحو من المحسوس، فلهذا عقب الله تعالى هذه الصفة بصفتين أخريين، وذلك أن ما سوى الله إما جسمانيات وإما روحانيات. أما الجسمانيات فأعظمها العرش فأشار بقوله: {ذو العرش} إلى استيلائه على كلية عالم الأجسام، وأما الروحانيات فأشار إلى كونها تحت تسخيره بقوله: {يلقي الروح} أي الوحي {من أمره} أي من عالم أمره {على من يشاء من عباده} وقد مر نظيره في الآية في أول سورة النحل. وقيل من أمره حال ثم بين الغرض من الإلقاء بقوله: {لينذر يوم التلاق} ووجه التسمية ظاهر لتلاقي الأجساد والأرواح فيه، أو لتلاقي أهل السماء والأرض كما قال عز من قائل {ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلًا} [الفرقان: 25] ولأن كل واحد يلاقي جزاء عمله. وقال ميمون بن مهران: يوم يلتقي فيه الظالم والمظلوم، فربما ظلم رجل رجلًا وانفصل عنه ولم يمكن التلاقي أو استضعف المظلوم ففي يوم القيامة لابد أن يتلاقيا. وقوله: {يوم هم بارزون} بدل من الأول. ومعنى البروز ما مر في آخر سورة إبراهيم في قوله: {وبرزوا لله الواحد القهار} [الآية: 48] وقوله: {لا يخفى على الله منهم شيء} تأكيد لذلك وهذا، وإن كان عامًا في جميع الأحوال وشاملًا للدنيا والآخرة إلا أنه خصص بالآخرة لأنهم في الدنيا كانوا يظنون أن بعض الأعمال تخفى على الله عند الاستتار بالحجب كما قال: {ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرًا مما تعملون} فهو نظير قوله: {مالك يوم الدين} [الفاتحة: 3] ثم أكد تفرّده في ذلك اليوم بالحكم والقضاء بقوله: {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} ولا ريب أن الكلام مشتمل على جواب وسؤال وليس في لفظ الآية ما يدل على تعيين السائل ولا المجيب. فقال جم من المفسرين ومن أرباب القلوب: إذا هلك كل من في السموات ومن في الأرض يقول الرب تعالى: {لمن الملك اليوم}؟ فلا يجيبه أحد.
فهو سبحانه يجيب عن نفسه فيقول: لله الواحد القهار. وأما الذين ألغوا صرف المعقول من أهل الأصول فقد أنكروا هذا القول إنكارًا شديدًا لأنه تعالى بين أن هذا النداء في يوم التلاقي والبروز يوم تجزى كل نفس بما كسبت، وكل هذا ينافي في كون الخلق هالكين وقتئذ، ولأن التكلم من غير سامع ولا مجيب عبث إلا أن يكون هناك ملائكة يسمعون ذلك النداء لكن المفروض فناء كل المخلوقين، فأما أن يكون حكاية لما يسأل عنه في ذلك اليوم ولما يجاب به وذلك أن ينادي مناد فيقول: لمن الملك اليوم؟ فيجيبه أهل المحشر لله الواحد القهار، يقوله المؤمن تلذذًا والكافر هوانًا وتحسرًا على أن فاتتهم هذه المعرفة في الدنيا فإن الملك كان له من الأزل إلى الأبد. وفائدة تخصيص هذا النداء يوم القيامة كما عرفت في {مالك يوم الدين} [الفاتحة: 3] يحكى أن نصر بن أحمد لما دخل نيسابور وضع التاج على رأسه ودخل عليه الناس فخطر بباله شيء فقال: هل فيكم من يقرأ آية؟ فقرأ رجل روّاس {رفيع الدرجات ذو العرش} فلما بلغ قوله: {لمن الملك اليوم} نزل الأمير عن سريره ورفع التاج عن رأسه وسجد لله تعالى وقال: لك الملك لا لي. فلما توفي الروّاس رؤي في المنام فقيل له ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي وقال لي إنك عظمت ملكي في عين عبدي فلان يوم قرأت تلك الآية فغفرت لك وله. ومما يدل على تفرده سبحانه قوله: {لله الواحد القهار} فإن كل واحد من الأسماء الثلاثة ينبىء عن غاية الجلال والعظمة كما مر مرارًا، وباقي الآية أيضًا مما سلف تفسيره مرات. ثم وصف يوم القيامة بأنواع أخر من الصفات الهائلة فقال: {وأنذرهم يوم الآزفة} وهي فاعلة من أزف الأمر أزوفًا إذا دنا، ولا ريب أن القيامة قريبة وإن استبعد الناس مداها لأن كل ما هو كائن فهو قريب. قال جار الله: يجوز أن يريد بيوم الآزفة وقت لحظة الآزفة وهي مشارفتهم دخول النار فعند ذلك ترتفع قلوبهم عن مقارّها فتلصق بحناجرهم فلا هي تخرج فيموتوا ولا ترجع إلى مواضعها فيتنفسوا. وقال أبو مسلم: يوم الآزفة يوم المنية وحضور الأجل لأنه تعالى ذكر يوم القيامة في قوله: {يوم التلاق يوم هم بارزون} فناسب أن يكون هذا اليوم غير ذلك اليوم، ولأنه تعالى وصف يوم الموت بنحو هذه الصفة في مواضع أخر قال: {فلولا إذا بلغت الحلقوم} [الواقعة: 83] {كلا إذا بلغت التراقي} [القيامة: 26] ولا ريب أن الرجل عند معاينة أمارات الموت يعظم خوفه، فلو جعلنا كون القلوب لدى الحناجر كناية عن شدّة الخوف جاز، ولو حملناه على ظاهره فلا بأس.
وقوله: {كاظمين} أي مكروبين. والكاظم الساكت حال امتلائه غمًا وغيظًا قال عز من قائل {والكاظمين الغيظ} [آل عمران: 134] وانتصابه على أنه حال عن أصحاب القلوب كأنه قيل: إذ قلوبهم لدى حناجرهم كاظمين عليها، أو عن القلوب. وجمع جمع السلامة بناء على أن الكظم من أفعال العقلاء كقوله: {فظلت أعناقهم لها خاضعين} [الشعراء: 4] أو عن ضمير المفعول في {وأنذرهم} أي وأنذرهم مقدّرين أو مشارفين الكظم فيكون حالًا مقدّرة. وفي قوله: {ما للظالمين من حميم ولا شفيع} بحث بين الأشاعرة والمعتزلة حيث حمله الأوّلون على أهل الشرك، والآخرون على معنى أعم حتى يشمل أصحاب الكبائر. وقد مرّ مرارًا ولاسيما في قوله: {وما للظالمين من أنصار} [آل عمران: 192] ومعنى قوله: {يطاع} يجاب أي لا شفاعة ولا إجابة كقوله:
ولا ترى الضب بها ينجحر

وذلك أنه لا يشفع أحد في ذلك اليوم إلا بإذن الله، فإن أذن له أجيب وإلا فلا يوجد شيء من الأمرين. والفائدة في ذكر هذه الصفة أن يعلم أن الغرض من الشفيع منتفٍ في حقهم وإن فرض شفيع على ما يزعم أهل الشرك من أن الأصنام يشفعون لهم. وقوله: {يعلم خائنة الأعين} خبر آخر لقوله: {هو الذي يريكم آياته} إلا أنه فصل بالتعليل وهو قوله: {لينذر} وذكر وصف القيامة استطرادًا، قال جار الله: هي صفة للنظرة أو مصدر بمعنى الخيانة كالعافية، والمراد استراق النظر إلى ما لا يحل كما يفعل أهل الريب. قال: ولا يحسن أن تكون الخائنة صفة للأعين مضافة إليها نحو جرد قطيفة أي يعلم العين الخائنة لأن قوله: {وما تخفي الصدور} لا يساعد عليه. قلت: يعني أن عطف العرض على الجوهر والمعنى على العين غير مناسب. وقيل: هي قول الإنسان رأيت ولم ير وما رأيت ورأى. ومضمرات الصدرو أي القلوب فيها لأنها فيها. قيل: هي ما يستره الإنسان من أمانة وخيانة. وقيل: الوسوسة. وقال ابن عباس: ما تخفي الصدور بعد النظر إليها أيزني بها أم لا. أقول: والحاصل أنه تعالى أراد أن يصف نفسه بكمال العلم فإن المجازاة تتوقف على ذلك. ففي قوله: {يعلم خائنة الأعين} إشارة إلى أنه عالم بجميع أفعال الجوارح، وفي قوله: {وما تخفي الصدور} دلالة على أنه عالم بجميع أفعال القلوب. وإذا علمت هذه الصفة وقد عرفت من الأصناف السابقة كمال قدرته واستغنائه لم يبق شك في حقيّة قضائه فلذلك قال: {والله يقضى بالحق} ثم وبخهم على عبادة من لا قضاء له ولا سمع ولا بصر بقوله: {والذين يدعون} الخ. ثم وعظهم بالنظر في أحوال الأمم السالفة وقد مر نظير الآية في مواضع. وإنما قال في هذه السورة {ذلك بأنهم كانت} وفي التغابن {ذلك بأنه كانت} [الآية: 6] موافقة لضمير الفصل في قوله: {كانوا هم أشد}. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ} أولم يسروا في أقطار الأرض بنفوسهم، ويطوفوا مشارقها ومغاربها ليعتبروا بها فيزهدوا فيها؟ أولم يسيروا بقلوبهم في الملكوت بجولان الفكر ليشهدوا أنوارَ التجلِّي فيستبصروا بها؟ أولم يسيروا بأسرارهم في ساحات الصمدية ليستهلكوا في سلطان الحقائق، وليتخلَّصُوا من جميع المخلوقات قاصيها ودانيها؟
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22)} إن بغى من أهل السلوك قاصدٌ لم يصل إلى مقصوده فَلْيَعْلَمْ أنَّ مُوجِبَ حَجْبِه اعتراضٌ خَامَرَ قلبَه على بعض شيوخه في بعض أوقاته؛ فإنَّ الشيوخَ بمحلِّ السفراء للمريدين. وفي الخبر: «الشيخُ في قومه كالنبيِّ في أمته». اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: الحاء والميم حرفان من وسط اسم الرحمن ومن وسط اسم محمد ففي ذلك إشارة إلى سر بينه وبين حبيبه صلى الله عليه وسلم لا يسعه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل {غافر الذنب} للظالم {وقابل التوب} للمقتصد {شديد العقاب} للكافر {ذي الطول} للسابق {وقهم عذاب الجحيم} أي عن موجباتها كالرياء واتباع الهوى {لمقت الله} إياكم حين حكم عليكم بالبعد والحرمان {أكبر من مقتكم أنفسكم} لو كنتم تمقتونها في الدنيا فإنها أعدى عدوّكم. ومقتها منعها من هواها، ولا ريب أن عذاب البعد الأبديّ أشدّ من رياضة أيام معدودة قلائل.
{ذو العرش} عرش القلوب استوى عليها بجميع الصفات وهم العلماء بالله المستغرقون في بحر معرفته. اهـ.